رغم غياب الاحتفالات.. مسيحيو لبنان يحيون عيد الميلاد بالصلاة والترانيم (صور)
رغم غياب الاحتفالات.. مسيحيو لبنان يحيون عيد الميلاد بالصلاة والترانيم (صور)
يأتي عيد الميلاد هذا العام على لبنان وسط أنين عائلات الضحايا وآلام المصابين جراء العدوان الإسرائيلي الذي خلف آلاف الشهداء والجرحى، ورغم كل هذه الجراح حرص المسيحيون في بلاد الأرز على إحياء العيد ولو كان بالصلاة والترانيم دون مبالغة في الاحتفالات والطقوس التي اعتادها الناس في كل عام.
ووفقا لتقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز"، اليوم الأربعاء، توافد المصلون الواحد تلو الآخر إلى الكاتدرائية القديمة في مدينة صور لأداء قداس الأحد الأخير قبل عيد الميلاد، حيث ارتدى الجميع ملابس مبللة بالمطر، لكن عقولهم كانت مشغولة بذكريات الحرب التي أثقلت كاهلهم.
ولم تكن هناك احتفالات للأطفال هذا العام كما في السنوات الماضية، حيث خلت الاحتفالات من الحفلات الموسيقية وشجرة عيد ميلاد في ساحة المدينة، التي دُمرت بالكامل.

أمل وسط المأساة
حاول القس يعقوب صعب أن يرفع معنويات الحضور أثناء صعوده إلى المذبح قائلاً: "إنه لنعمة عظيمة أن نجتمع ونصلي معًا"، ولكنه اعترف لاحقًا، بعيدًا عن مسمع الحضور، بأن "الاحتفال أصبح أمرًا صعبًا جدًا".
ورغم وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله اللبناني، فإن المجتمع المسيحي في صور لم يتوقع أن يحتفل بالعيد في هذا العام، وقرر أن يقضي عيد الميلاد بشكل هادئ، بعيدًا عن البهجة المعتادة.
كان معظم سكان مدينة صور البالغ عددهم 125 ألف نسمة قد فرّوا من المدينة أثناء الحرب، ولكن حي المسيحيين الذي يقع بالقرب من الميناء ظل أحد الأحياء القليلة التي ظل فيها بعض السكان. على مدى شهور، عاش هؤلاء السكان على المساعدات الإنسانية، حيث كانوا محاصرين من العالم الخارجي بسبب نقص الماء والكهرباء والدواء.
ورغم الهدوء النسبي الذي شهدته المدينة في الأسابيع الأخيرة، فإن المجتمع ظل يعاني من الصدمات النفسية والخسارة الكبيرة.
وغابت التهاني بعيد الميلاد في لقاءات الأصدقاء لتحل بدلا منها “الحمد لله على سلامتكم”.

تجربة مريرة
بعد القداس، ركض شاربل ألميه البالغ من العمر 11 عامًا إلى الخارج وانضم إلى أصدقائه ليرن جرس الكنيسة، قافزًا في الهواء وهو يشد الحبال بكل قوته، كانت هذه اللحظة مميزة له، فقد مضت أشهر طويلة دون أن يرى وجه أصدقائه، أما والدته، سورايا ألميه، الحامل، فقد قررت البقاء في منزلها مع أسرتها بينما كان باقي أفراد الحي قد غادروا، خشيت من أن تلد في مستشفى مليء بالجرحى في ظل ظروف الحرب.
وتعرضت أسرة ألميه، مثل الكثير من الأسر اللبنانية، للصدمة بعد القصف الإسرائيلي المفاجئ في أواخر سبتمبر الماضي، والذي كان جزءًا من التصعيد العسكري الكبير بعد أكثر من عام من العداء بين إسرائيل وحزب الله
ومع مواجهة واحدة من أكثر الغارات الجوية كثافة في الحروب الحديثة، سعى مئات الآلاف من الناس إلى الفرار، بينما امتلأت الطرق السريعة في جنوب لبنان بالزحام الشديد، لكن أسرة ألميه، مثل العديد من الأسر الأخرى، لم تجد مكانًا للهروب إليه.
وقالت سورايا ألميه وهي تجلس في منزلها الرطب الذي يتكون من غرفة واحدة، متأملة في ابنتها الصغيرة كريستينا التي كانت نائمة في سريرها: "لقد مررنا بشهور من العيش في مأوى، وكل ما أردنا هو بعض الأمل في موسم الأعياد".
الحياة تعود ببطء
في الأسابيع التي تلت إعلان الهدنة، بدأت الحياة في العودة بشكل بطيء إلى مدينة صور، عاد العديد من السكان إلى المدينة الساحلية، وأخذ المراهقون يلتقطون الصور على الواجهة البحرية، بينما كان الصيادون يصلحون شباكهم، والمجموعات الصغيرة من الأصدقاء تجلس في المقاهي تحتسي القهوة العربية المرة، إلا أن الدمار كان لا يزال ظاهرًا في كل مكان.
وفي الشارع التجاري الرئيس في المدينة، دُمّرت المحلات التي كانت عادةً تعج بالمتسوقين في موسم الأعياد، بينما العديد من المتاجر التي بقيت على قيد الحياة كانت قد أصيبت بأضرار بالغة جراء الحرائق، المحلات التي كانت تبيع المجوهرات، والمطاعم، ومتاجر السباحة الراقية قد تحولت إلى أنقاض.
وتحدثت ريما أكنان، التي تعمل مع زوجها في متجر للألعاب كان قد تعرض للقصف، عن الأوقات الصعبة التي يمر بها سكان المدينة، وأوضحت أن الطلب على الألعاب هذا العام كان ضئيلًا جدًا، حيث لم يتم بيع سوى 7 قطع منذ إعادة فتح المتجر، وأعربت عن مخاوفها من ضرورة إغلاقه قريبًا.